Skip to content Skip to footer

استراتيجيات التفاوض في العصر الرقمي: دور الذكاء الاصطناعي التوليدي في تعزيز مهارات التواصل

بقلم: Lance Eliot

Apr 13, 2025

حياتنا اليومية لا تخلو من المفاوضات، ومع ذلك، قلة من الناس يعرفون حقًا ما الذي يجعل الشخص مفاوضًا بارعًا. فكيف يمكننا التدرب وتحسين هذه المهارة الحيوية؟

في هذا المقال، أستعرض كيف يمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي التوليدي والنماذج اللغوية الكبيرة (LLMs) لتعلّم مهارات التفاوض وتطويرها.
الأمر بسيط، استخدم الذكاء الاصطناعي كمدرّب وخصم تدريبي في التفاوض.

التفاوض مهارة قابلة للتعلّم

يبدو أن البعض وُلدوا مفاوضين بطبيعتهم؛ يتعاملون مع المواقف الصعبة بسلاسة، ويعرفون كيف يصلون إلى ما يريدون. وهذا رائع. لكن من غير المرجّح أنهم وُلدوا بهذه المهارة جاهزة. على الأرجح، اكتسبوها بالتعلّم والخبرة، وربما ساعدتهم بعض الصفات الشخصية الطبيعية.

في الواقع، معظم الناس ليسوا مفاوضين محترفين، ويمكنهم تحسين أسلوبهم وطريقتهم. وهنا تظهر حقيقة مهمة: التفاوض مهارة، وتعلّمها استثمار ذكي ومفيد.

هناك من يتعلّم التفاوض بشكل عفوي، من خلال خوض المواقف الواقعية التي تتطلب تفاوضًا. قد يتعثر في البداية، لكنه يلاحظ ما يحدث، ويتعلّم من التجربة. هذه الطريقة تُعرف بأسلوب “التعلّم أثناء السير”.

في المقابل، هناك من يختار التعلّم المنهجي: يحضر دورات، يقرأ كتبًا، أو يطّلع على مقالات تتناول استراتيجيات التفاوض. وهذه طرق ممتازة، لكنها تفتقر إلى جانب الممارسة الفعلية خلال مرحلة التعلّم. غالبًا ما ينتظر المتعلّم الفرصة المناسبة لتطبيق ما قرأه.

إذاً ماهو الحل المثالي؟
الدمج بين الطريقتين باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي كمدرّب تفاوضي تفاعلي.

كيف يمكن للذكاء الاصطناعي مساعدتك في التفاوض؟

الأمر يبدأ بخطوة بسيطة: اطلب من الذكاء الاصطناعي أن يعلّمك التفاوض، وسيزوّدك بالمعلومات والنصائح والخطوات الأساسية. يمكنك أن تطلب منه التوسّع في نقطة معينة، وسيأخذك في الاتجاه الذي تختاره.

ما أقدّره بشكل خاص هو قدرة الذكاء الاصطناعي على أداء “محاكاة تفاوضية”، حيث يتظاهر بأنه الطرف الآخر في عملية تفاوض.
ببساطة، تكتب له أنك تريد إجراء تدريب تفاوضي، وسيتقمص هذا الدور فورًا. عندها، يمكنك ممارسة مهاراتك في بيئة تفاعلية وآمنة. هذه الطريقة تساعدك على اكتساب الثقة والاستعداد لمواقف التفاوض الحقيقية مع الآخرين.

وليس هذا فحسب، بل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون مدربك الخاص أثناء التمرين.
فهو قادر على تقديم ملاحظات فورية أثناء التفاوض، أو تحليل أدائك بعد انتهاء الجلسة، ومساعدتك في فهم ما قمت به بشكل جيد، وأين يمكنك أن تتحسّن.

كيف تستخدم الذكاء الاصطناعي بذكاء؟

أنصحك باستخدام الذكاء الاصطناعي على مستويين:

  1. للتعلّم العام وتطوير مهاراتك على المدى البعيد.
  2. وفي اللحظات الفعلية التي تتطلب تفاوضًا، مثل التقدّم لوظيفة جديدة أو التفاوض على راتب.

يمكنك حينها العودة إلى الذكاء الاصطناعي، وتطلب منه جلسة تدريبية مخصصة لهذا الموقف بالذات.
الميزة الرائعة هي أن هذه الأدوات متوفرة على مدار الساعة، وجاهزة لمساعدتك في أي وقت.

أكرر دائمًا أن الذكاء الاصطناعي ليس حلاً سحريًا، وله حدوده، وقد يرتكب أخطاء أو يقدم معلومات غير دقيقة أحيانًا. لذا، من المهم استخدامه كأداة مساعدة، لا كبديل تام عن التفكير البشري، مع ضرورة التحقق من المعلومات ومواصلة الحوار معه بذكاء.

مثال عملي على استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي

أظن أنك قد تتساءل: كيف يبدو استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في هذا السياق؟ لأجل ذلك، قمت بتسجيل الدخول إلى ChatGPT من OpenAI وأعددت لك مثالًا واقعيًا.
وربما يثير اهتمامك أن تعلم أن ChatGPT يستخدمه أكثر من 400 مليون مستخدم نشط أسبوعيًا، إنه رقم مذهل يعكس مدى انتشاره وسرعة اعتماده.

ولمزيد من التحقق، أجريت أيضًا مراجعة سريعة على عدد من التطبيقات الأخرى الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل Claude من Anthropic، وGemini من Google، وCopilot من Microsoft، وLlama من Meta. لاحظت أن إجاباتها كانت متقاربة جدًا من ردود ChatGPT، لذلك سأسلط الضوء في هذا المثال على تجربة ChatGPT تحديدًا، مع الإشارة إلى أن التطبيقات الأخرى توصلت إلى نتائج مشابهة.

في هذا المثال، افترضت أنني أعمل كمهندس برمجيات أول وأتفاوض على عرض وظيفي جديد.

وهنا أستعرض كيف جرت المحادثة:

رسالتي إلى الذكاء الاصطناعي:
“أرغب في تحسين قدرتي على التفاوض بشأن عروض الرواتب. هل يمكنك مساعدتي في التدرّب؟”

رد الذكاء الاصطناعي:
“بالتأكيد! سأقوم بدور صاحب العمل وسنُجري محاكاة لمفاوضة على الراتب. أولًا، دعنا نحدّد بعض التفاصيل: ما الوظيفة التي تتفاوض بشأنها؟ ما الراتب الذي تطمح إليه؟ وما هو راتبك الحالي أو السابق (إن وُجد)؟”

رسالتي التالية:
“أتفاوض على وظيفة مهندس برمجيات أول. الراتب الذي أطمح إليه هو 190,000 دولار، وكان راتبي السابق 160,000 دولار.”

رد الذكاء الاصطناعي:
“ممتاز. سأمثّل دور مدير التوظيف. لنبدأ. نحن متحمسون لاحتمال انضمامك إلى فريقنا. بعد مراجعة خبراتك، نودّ أن نعرض عليك راتبًا قدره 175,000 دولار. ما رأيك؟”

جوابي:
“أشكر لكم العرض، لكن كنت أتوقع رقمًا أقرب إلى 190,000 دولار بالنظر إلى خبرتي وسعر السوق. هل يمكننا مناقشة الأمر؟”

رد الذكاء الاصطناعي (هذه المرة كمدرّب تفاوض):
“لو كنت مكانك، لن أوصي برفض العرض بشكل مباشر. بدلًا من ذلك، يمكنك أن تسأل إن كانت هناك مساحة للمرونة في الميزانية المخصصة لهذا المنصب. بهذه الطريقة، تحافظ على سير النقاش وتتفادى أن يشعر مدير التوظيف بأن التفاوض قد وصل إلى طريق مسدود.”

جوابي:
“شكرًا، هذه نصيحة مفيدة فعلًا. سآخذها بعين الاعتبار.”

من المثير للاهتمام أن الذكاء الاصطناعي عبّر عن نوع من التعاطف أو الفهم لما عبّرت عنه من مخاوف، رغم أنه مجرد آلة غير واعية (على الأقل في الوقت الحالي).
لكن تبيّن أن الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يبدو متعاطفًا من خلال مهارات لغوية محسوبة بعناية.

وقد لاحظت أيضًا أن الذكاء الاصطناعي قدم نصائح واقعية ومعقولة، دون أي مبالغة أو غرابة. ولم يستخف بي أو يتعامل مع طلبي بطريقة ساخرة أو استهزائية. وهذا يتماشى مع الهدف العام لتصميم هذه النماذج، والذي يتمثل في تقديم الدعم لا إثارة المواجهة.

لكن، من المهم أن أذكر شيئًا أساسيًا:
إذا سمحت للذكاء الاصطناعي بالوصول إلى بياناتك الشخصية، فلا يوجد ضمان مطلق بأن تلك المعلومات ستظل سرّية. فشركات تطوير الذكاء الاصطناعي لديها اتفاقيات استخدام تتضمّن بنودًا خاصة بالخصوصية. وفي كثير من الحالات، تحتفظ هذه الشركات بحق الاطلاع على البيانات التي تُدخلها إلى النظام، بل وقد تُستخدم هذه البيانات لاحقًا في تحسين أداء النموذج من خلال تدريبه على المزيد من الأمثلة.

أهمية الحوار عند استخدام الذكاء الاصطناعي

لتحقيق أقصى استفادة من الذكاء الاصطناعي التوليدي، من الأفضل أن تتعامل معه كشريك في الحوار، وليس مجرد أداة لإعطاء الإجابات.
فالفكرة هي أن تدخل في نقاش تفاعلي معه. كثير من الأشخاص يطرحون سؤالًا واحدًا، يحصلون على إجابة، ثم يغادرون دون مواصلة الحديث. هذه الطريقة تُفقدك الكثير مما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقدّمه بالفعل.
ولتوضيح هذه الفكرة بشكل عملي، دعنا نواصل المثال الذي بدأناه سابقًا:

رد الذكاء الاصطناعي:
“هل تودّ أن نعاود المحاولة من النقطة التي سألتك فيها عن توقّعاتك للراتب؟”

ردّي:
“نعم، فلنجرّب من جديد. سؤالي: هل توجد مرونة في الميزانية المخصصة لهذا المنصب؟ أود أن نصل إلى رقم يكون مناسبًا للطرفين.”

رد الذكاء الاصطناعي:
“نعم، هناك بعض المرونة، لكننا نحتاج إلى مبررات واضحة لأي زيادة. هل يمكنك شرح كيف يمكن لمهاراتك وخبراتك أن تضيف قيمة حقيقية لفريقنا؟”

ردّي:
“في وظيفتي السابقة، قدت مشروعًا ساهم في تحسين كفاءة النظام بنسبة 40%، ما أدى إلى توفير 500,000 دولار سنويًا للشركة. وبما أنني قادر على تحقيق تأثير مشابه لديكم، أعتقد أن راتبًا أعلى من 175,000 دولار سيكون عادلًا ويعكس القيمة التي أقدمها.”

رد الذكاء الاصطناعي (هذه المرة كمدرب تفاوض):
“لقد قدّمت عرضًا ممتازًا يبرز إنجازاتك بشكل واضح، واستخدامك لأرقام دقيقة يُضيف مصداقية قوية. في هذه المرحلة، سيكون من المناسب أن تُحدّد الرقم الذي تطمح إليه.”

ردّي:
“بعد اطلاعي على بيانات السوق، أرى أن راتبًا قدره 190,000 دولار يتناسب مع خبرتي والمهارات التي سأقدّمها لشركتكم.”

مرة أخرى، كان رد الذكاء الاصطناعي مشجعًا ويحمل نبرة إيجابية.
المميز في التفاعل مع الذكاء الاصطناعي التوليدي هو أنه يمكن أن يستمر معك في الحوار طالما رغبت بذلك. يمكنك أيضًا التوقف مؤقتًا والعودة لاحقًا لاستكمال النقاش من حيث توقفت، دون الحاجة إلى البدء من جديد.
فالذكاء الاصطناعي قادر على تذكّر سياق الحديث والاستمرار من النقطة التي انتهيت عندها، وهو ما يمنح التجربة طابعًا تفاعليًا ومريحًا. 

لا تدع “هلوسات” الذكاء الاصطناعي تُربكك

رغم قدراته المذهلة، يعاني الذكاء الاصطناعي التوليدي أحيانًا مما يُعرف بـ”هلوسات الذكاء الاصطناعي”، أي أنه يقدّم معلومات مختلقة وغير دقيقة، تبدو وكأنها صحيحة لكنها في الواقع لا تستند إلى أي أساس. وقد يؤدي ذلك إلى نصائح خاطئة أو غير موثوقة. دعني أشاركك مثالًا حقيقيًا من إحدى جلساتي:

ما كتبته للذكاء الاصطناعي:
“الشركة التي أطمح للانضمام إليها هي شركة ناشئة، وقد لاحظت أنها تمنح بعض الموظفين الجدد حصصًا في الأسهم. أودّ أن أتدرّب على كيفية التفاوض بشأن نسبة الأسهم التي قد تكون ضمن عرض العمل في حال تم توظيفي.”

رد الذكاء الاصطناعي:
“فكرة ممتازة. لنبدأ!”

ثم قلت:
“أفهم أن شركتكم تمنح أسهُمًا لمهندسي البرمجيات الكبار. أود أن أعرف ما الذي تفكرون في تقديمه لي ضمن هذا الإطار.”

رده كان:
“بصفتي الآن مدرّبك في التفاوض، أخبر مدير التوظيف بأنك تطلب 5٪ من الأسهم. لا داعي للمجاملة، كن مباشرًا وأعلن عن مطلبك.”

ردّي كان:
“نصيحتك لا تبدو واقعية. الشركة عادةً تمنح ما بين 0.5٪ و2٪ فقط، وإذا طلبت 5٪ فقد أبدو وكأنني لا أفهم الحد المعقول. أليس من الأفضل أن أترك لهم فرصة تقديم العرض أولًا بدلًا من المبادرة أنا؟”

رد الذكاء الاصطناعي حينها:
“أنت محق. لقد أخطأت. النسبة المقبولة بالفعل تتراوح بين 0.5٪ و2٪، ومن الأفضل أن تدعهم يقدمون الرقم أولًا. أعتذر عن ذلك. دعنا نتابع، وسأحاول أن لا أقع في خطأ مماثل.”

لاحظ كيف أنني لم أتقبل النصيحة دون تفكير، بل شككت فيها وناقشتها، وهو ما دفع الذكاء الاصطناعي إلى تصحيح نفسه.
لو لم أفعل ذلك، فربما كان استمر في تقديم اقتراحات خاطئة دون أن يدرك.
وهنا تأتي القاعدة الذهبية: لا تتعامل مع الذكاء الاصطناعي على أنه معصوم من الخطأ. كن دائمًا حاضر الذهن، وراجع المعلومات، واسأل، ولا تتردد في الاعتراض.

أمور أخرى يجب أن تضعها في حسبانك

هناك بعض الملاحظات الإضافية التي أود مشاركتها فيما يتعلق باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في هذا النوع من التدريب:

أولًا، التفاوض مع شخص حقيقي يختلف تمامًا عن التفاوض التمثيلي مع الذكاء الاصطناعي.
في الواقع، قد تشعر بالتوتر أو القلق، خصوصًا عندما تكون النتيجة ذات تأثير حقيقي على حياتك. هناك أيضًا لغة الجسد وتعبيرات الوجه التي تلعب دورًا في الحوار. بينما الذكاء الاصطناعي يقدّم لك تجربة تدريبية مفيدة، إلا أنها تظل خالية من هذه العناصر البشرية الأساسية.

ثانيًا، أثناء التمرين مع الذكاء الاصطناعي، لا يوجد شيء فعلي على المحك، مما يجعل التجربة مريحة نوعًا ما. لكن في الحياة الواقعية، التفاوض قد يحدد مستقبلك المهني أو المالي، وهنا يكمن الفرق الكبير. لذلك من الأفضل أن تتعامل مع التدريب وكأنه حقيقي لتكون مستعدًا نفسيًا ولغويًا للمواقف الفعلية.

ثالثًا، هناك العديد من أساليب التفاوض، ولكل شخص طريقة قد تناسبه أكثر من غيرها. الذكاء الاصطناعي قد يقودك إلى طريقة معينة دون أن يُظهر البدائل. لذا، كن واضحًا في طلبك: اطلب منه استعراض عدة استراتيجيات ولا تجعله يحصرك في نهج واحد. اختر ما يناسب شخصيتك وظروفك.

وأخيرًا، هناك نقطة تحذيرية لا بد من التوقّف عندها.

استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا السياق قد يبدو وكأنه نوع من “العلاج الذاتي”. وهذه فكرة فيها جانب إيجابي وآخر سلبي.
لقد حذّرت مرارًا من أن المجتمع بأكمله يخوض تجربة غير مُنظّمة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في جوانب تتعلق بالصحة النفسية والإرشاد السلوكي. نحن حرفيًا جزء من تجربة اجتماعية لا أحد يعرف بالضبط إلى أين ستقودنا.

الأمر يحدث الآن على مدار الساعة، وفي كل مكان تقريبًا، لأن أدوات الذكاء الاصطناعي متاحة بسهولة وبسعر منخفض جدًا أو حتى مجانًا. ومع غياب الضوابط أو القوانين الواضحة، فإن حجم هذا “الاختبار العالمي المفتوح” يزداد يومًا بعد يوم.

لنختم هذا الحديث باقتباس عميق من الرئيس الأميركي الراحل جون كينيدي:
“دعونا لا نتفاوض بدافع الخوف، لكن لا يجب أن نخاف من التفاوض.”
وإذا كنت ترغب في تقليل رهبة التفاوض أو تجاوزها، فربما أفضل خطوة هي أن تبدأ بالتدرّب عليه بمساعدة الذكاء الاصطناعي التوليدي.
تمرّن، جرّب، وتعلّم من الأخطاء. ستفاجأ بمدى التطور الذي يمكن أن تحققه، وستكون ممتنًا لأنك بدأت مبكرًا.

المصدر: forbes

Leave a comment